السبت، 3 أغسطس 2019

نشأة السلفية .. حقائق من تاريخنا الوطني




بسم الله الرحمن الرحيم

مرحباً بأصدقاء الساحة. مقال جديد أتمنى أن يحوز على رضاكم واستحسانكم .


تتشكل حول العقلية التقليدية (السلفية) في المملكة العربية السعودية العديد من الإشكالات واللغط؛ راجع لكونها ( الوحيدة) الحريصة على اتباع مذهب " أهل السنة والجماعة " بلا شوائب مُضافة أضافها المتأخرون. وهي التي تنهل - كذلك - من المعين الصافي ( القرآن الكريم وسنة النبي ) مباشرةً بلا وسيط .
حيث نقف في هذا الموضوع وقفة تأمّلية تاريخية ( بعيداً عن الخوض بالاعتقاد ) . نقف وقفة تاريخية
مع النشأة وظروفها . آملاً أن يكون الموضوع إضافةً للساحة والمتلقي - السعودي خاصةً - إضافة تستحق الذكر .



* السلفية كما أوردها ابن منظور : " والسلف من تقدمك من آبائك وذوي قرابتك الذين هم فوقك "
وقال عنها الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - : "
السلفيَّة هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؛ لأنهم هم الذين سلفونا وقدمونا وتقدموا علينا , فاتباعهم هو السلفية ".


حول انتشار السلفية بالجزيرة العربية والتأمل بظروف النشأة , نقف على مجموعة من الأسئلة الهامة
المطروحة للبحث والتأمل والنظر . معتمداً في ذلك على أدق المراجع التاريخية
لتاريخنا الوطني السعودي , المصدر الأول " تاريخ المملكة العربية السعودية "
للدكتور: عبدالله العثيمين " المؤرخ المعروف " . والمصدر الثاني (تاريخ نجد) لحسين بن غنّــام .
- وهو لمن يجهله - أحد المعاصرين (المتحمّسين) لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- .

السؤال الأول : كيف حال الجزيرة العربية قبل دعوة الشيخ إبن عبدالوهّــاب ؟

يذكر ابن غنّـام بتاريخه : " عكف أكثر الناس على دعوة الأولياء والصالحين , وفُتنوا بالاعتقاد بقدرتهم
على تقديم النفع وصرف السوء من دون الله " (1). ويضيف إبن غنّـــام واصفاً المظاهر الشركية
داخل الجزيرة العربية : " كان الناس يقصدون قبر زيد بن الخطاب في الجبيلة , يدعونه لتفريج الكرب , وكشف النوب , وقضاء الحاجات ... وأما مايفعل في الحرم المكي الشريف - زاده الله رفعةً وتشريفاً- فهو يزيد على غيره كثيراً .ففي تلك البقاع الطاهرة تأتي جماعات من الأعراب , من الفسوق والضلال والعصيان , ما يملأ القلب حزناً .. وأينهم من قوله تعالى : {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب السعير } . " (2) إذن , فالجو العام كما وصفه إبن غنام بدقة بشيوع الشرك في كل بقعة من بلادنا ولولا الإطالة , لوصفنا المزيد من تلك المظاهر .

السؤال الثاني : علماء نجد .. أين هم من هذه الشركيات الكبيرة ؟

كان علماء نجد يرحلون إلى العراق والأحساء والحجاز لتلقي العلوم الدينية , حيث تلقى الشيخ محمد بن عبدالوهاب -بصفته مثالاً لعلماء نجد- تعليمه الشرعي هناك . ومن ثمّ مزاولة ( القضاء ) الوظيفة
المعدّة مسبقاً لصاحب العلم الشرعي ؛ حيث يتكسّب من القضاء والفصل بين الخصوم.

هذا ما يحاول أن يفسّره العثيمين بتاريخه حين ذكر : " وقد تركزت دراسة علماء نجد في تلك الفترة على مادة الفقه وبخاصة المذهب الحنبلي . أما العلوم الشرعية الأخرى فكان حظها من العناية أقل من هذه المادة . وكان أهم ما تؤهل له الدراسة تولّي القضاء . وكان اتقان الفقه كافياً , فيما يبدو لذلك التأهيل " (3).

انشغال العلماء بتلك الفترة بعلم (الفقه) بشكل خاص مع العلوم الاخرى؛ لان الفقية يكون مباشرةً قاضياً يفصل بين ابناء الحاضرة (حاضرة نجد) اما بالبادية يكون العرف القبلي هو السائد .


الاهتمام بالفقة اكثر من العلوم الإسلامية الاخرى يثير العديد من التساؤلات!! ولا سيما ما تم تصوير تلك المرحلة من شيوع المظاهر الشركية بالجزيرة العربية .

يقول إبن بشر في تاريخه : " ان الشرك بنوعيه الأصغر والأكبر قد فشا في نجد ثم يضرب امثلة شائعة لما كان في تلك الفترة من ذلك الشرك" .(4)

ويسمّي ابن غنّام تلك الفترة ( الفترة الجاهليّة ) .(5) ولاحظ التطابق بوصف الجاهلية مع الخطاب الإخواني بتجهيل المجتمع .

من المعقول جداً أن نتساءل أين دور العلماء في هذا المنكر العظيم , وإتيان أكبر الموبقات (الشرك بالله) ؟.


انكر الشيخ محمد بن عبدالوهّاب على علماء نجد اشتغالهم بالفقة واهمال جانب ( العقيدة ) .. والسبب يعزوه " ابن عثيمين " في تاريخه : " لعلّ من اسباب معارضة بعض المعارضين انكار الشيخ محمد على من اعتاد ان يأخذ اجوراً من المتاخصمين مقابل الفصل بينهم وعّده ذلك رشوة"(6) .



ويعزو العثيمين في تاريخه إهمال ( العقيدة) إلى " هبوط مكانة العلماء الاجتماعية " ويقول : "على ان من الاسباب خوف بعض العلماء من (( هبوط مكانتهم الاجتماعية )) , فقد رأو ان الناس سوف تســأل : هل كان هؤلاء العلماء يعرفون خطأ ما تزاوله العامة من امور انكرها الشيخ ولم يبيّنوه لهم او كانوا لايعرفون حكم هذه الامور ؟؟؟ فإن كانوا يعرفون ذلك واخفوه فهم غير مخلصين. وان كانوا لا يعرفونه مع أهميّته فهم جهلاء بالدين. وكلا الأمرين سيجعل الناس يحتقرونهم اجتماعياً ". (7)


السؤال الثالث : كيف انتشر المذهب الحنبلي في الجزيرة العربية ؟

ذكر ابن عثيمين في تاريخه أن انتشار المذهب الحنبلي يعود لعدة عوامل :

الأول : التضييق على العلماء الحنابلة في خارج الجزيرة وهجرة بعضهم الى داخلها بحثاً عن (ملاذٍ آمن) لنشر افكار المذهب . او كما وصفها ابن عثيمين بدقة " لم تلائمهم الحياة في العواصم الاسلامية الكبرى , ومن ثمّ وضعو نواة المذهب هنا "(8).

الثاني :"المذهب الحنبلي اقرب المذاهب الى روح " الكتاب والسنة " ؛ ما يعني خلوّها من المظاهر الشركية واقرب الى روح العربي البسيط بتوضيح علاقته مع ربه سبحانه بدون واسطة .ماساعاد في تقبّلها وانتشارها من ثمّ . ولربما كان لصمود بعض الحنابلة ؛ مثل إمامهم أحمد بن حنبل والشيخ إبن تيمية , أثر في إعجاب النجديين وحبهم لمذهبم "(9)


ماهي المشكلة لدى هؤلاء العلماء لكي يرحلوا ويبحثو عن مكان آخر لنشر دعوتهم ؟ هل المشكلة في ( سماحة الإسلام ويسره ) ؟! .
- لم تذكر المراجع ( حسب ما اطلعت ) دليلاً اوضح ومفسراً لنقطة البحث عن الملاذ الآمن ونقطة التضييق خارج الجزيرة العربية . وتعطي تلك النقطة تساؤلات هامّــة تاريخية تستحق الوقوف والتأمل طويلاً . !!

السؤال الرابع : من أول من حارب دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ؟؟

لعل أهم هدف لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - هو إفراد الله سبحانه بالعبادة , ومحاربة الشرك بجميع أنواعه , وسد الطرق المؤدية إليه . وأبرز أهدافها محاربة الابتداع وتطبيق الشريعة الإسلامية في كل أمور الحياة .

إن الهدف السامي الذي سعى له الشيخ - رحمه الله - لم يكن بالطريق السهل الميسّر . ولنطالع المراجع التاريخية لتوضح تلك الأسباب .

حين انتشرت الدعوة في نجد وقبول الشيخ دعوة (عثمان بن معمّــر) أمير العيينة , وكثر أنصارها .
وبدأ الشيخ بالتطبيق الفعلي لمبادئ الدعوة , فقام هو وأنصاره بقطع الأشجار التي يتوسّل بها الجهال وهدم القبة المبنية المبنية في الجبيلة التي يظن الجهّـال أنها قبر (زيد بن الخطاب) (10)

أول من عارض الدعوة الإصلاحية (علماء نجد) وأهم سبب للقبول والمعارضة

1/ الاقتناع الشخصي بصحة مبادئ الدعوة وبطلانها .

2/ اتهام الشيخ لهم بقبول الرشوة , والخوف من فقد المكانة الاجتماعية . - كما أشرنا سابقاً - . (11
).

وأبرز طليعة المعارضين من علماء نجد للشيخ : سليمان بن سحيم في الرياض , وعبدالله المويس في حرمة(12) لكنها فشلت فشلاً ذريعاً في وقف الدعوة و تأثيرها .

السؤال الخامس : كيف كان موقف علماء نجد من الدعوة ( التجديدية) ؟ .

1- مراسلة علماء البصرة والأحساء لتوضيح خطأ الدعوة ومنهجها . ( موقف فكري/ديني) .

حيث أرسل سليمان بن سحيم رسالة لعلماء البصرة والأحساء هاجم فيها دعوة الشيخ وعدّد عدداً من مآخذ عليه , واستنهض هممهم للرد على دعوته (13) .

ولقيت تلك الرسالة صدى لدى هؤلاء العلماء وكتبوا ردوداً في معارضة دعوة ابن عبدالوهاب . ولكنها مجملاً فشلت في تحقيق الهدف منها ( إيقافها ) .

2- استعداء أمراء البلدات النجدية والزعم بأن للدعوة أهداف سياسية غير معلنة.(موقف سياسي).

حين فشلت المكاتبات الى علماء البصرة والأحساء بالرد على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب , لجأ ( علماء نجد ) الى اسلوب جديد يتمثل في " الاتجاه الى أُمراء البلدات النجدية , واغروهم بوضع حد لئلا يستفحل خطرها - على حد زعمهم - محذرين من ان اهدافها اثارة العامة على الخاصة والزعماء "

وكان أهم أمير اتجه له المعارضون سليمان آل حميد زعيم بني خالد بالأحساء . والتي تربطه بعثمان بن معمّر علاقات اقتصادية متبادلة وقوية .

حيث نجح المعارضون للدعوة من العلماء في اقناع الزعيم الخالدي برأيهم وكسبوه لجانبهم وأمر ابن حميد أن يتخلّص ابن معمّــر من حماية الشيخ محمد بن عبدالوهاب , وهدده بقطع المعونة الاقتصادية وعدم دخول تجار بلدته إلى الأحساء . (14)

حيث رضخ ابن معمّــر للتهديد وخرج الشيخ إلى الدرعية ليؤسس مع محمد بن سعود نواة الدولة السعودية الأولى .



ختاماً : كثير منا يجهل ظروف النشأة للمذهب الفكري السعودي ( السلفية ) , لكن تلك الظروف مهمة لفهم الواقع السعودي , ونقده والتنبّؤ فيه لمستقبل مشرق لوطننا الغالي .

أستمتع بملاحظاتكم ونقدكم
















___________________________________________________

المراجع
1/ تاريخ نجد لإبن غنام . ص14 .
2/ المصدر نفسه . ص16
3/ تاريخ المملكة العربية السعودي .. عبدالله العثيمين (ج1/ص57 ).
4/[ابن بشر ج1 , ص19, ص22] .
5/[ابن غنّام ج1 ,ص14 / ج2 ,ص3].
6/تاريخ المملكة .. عبدالله العثيمين (ج1/ص 79)
7/تاريخ المملكة .. عبدالله العثيمين (ج1/ص 79)
8/[تاريخ المملكة- ابن عثيمين ج1/ص56].
9/ الصفحة نفسها .
10/ تاريخ المملكة .. عبدالله العثيمين (ج1/ص 78 ).
11/تاريخ المملكة .. عبدالله العثيمين (ج1/ص 79).
12/ المصدر نفسه . ص80 .
13/المصدر نفسه . ص80 .
14/المصدر نفسه . ص81-82 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق