عن الخطأ أحدثكم :
" الخطأ شيء أساسي , والروح البشرية هي مصدر
ثري للأخطاء و أنّ للخطأ وظيفة إيجابية ؛ بمعنى أن الخطأ يلعب دورا إيجابيا في
توليد المعرفة , في البداية كانت الأخطاء , في البداية كان الجهل , فالخطأ لا يعبر
عن نقص أو انعدام المعرفة بقدر ما يمثل الأرضية التي بدأً منها تصبح المعرفة ممكنة
, في البداية كانت الأخطاء , ثم يجيء نور المعرفة لكي يبدد غياهب الجهل والأخطاء ,
بهذا يصبح يمكن التحدث عن جدلية (الصح / الخطأ) , (الجهل/ العلم ) , ( النور/
الظلام ) , فكلما تراكم الجهل في فترة ما و عربد إلى درجة كبيرة ولم يعد محتملاً ينبثق العلم كردة فعل ضد الجهل , و
كقطيعة مع الجهل و الأخطاء المتراكمة . إنّ العلم ينبثق من رحم الجهل كما ينبثق
النور من رحم الظلام . إنّ العلم يتمثل في
إحداث قطيعة مع المفاهيم التي لم تعد صالحة أو علاها الغبار , إنه يحدث القطيعة معها
عن طريق المماحكة والجدال , والصراع الداخلي والجدل الديالكتيكي ( بمنظور ماركسي )
. إنّ الحقيقة لا تجيئنا بشكل سهل أو مجاني , الحقيقة تتطلب دفع الثمن , و أحياناً
دفعه بثمن باهظ .
إن التغيير الحقيقي هو الذي يكون بواسطة أناس
يعرفون كيف يتعاملون مع الواقع , ضمن
إمكانياته فلا يحاولون كسره أو القفز عليه أو استعجاله أو حتى إلغاؤه إنهم أؤلئك
الذين يكتشفون قوانين الواقع و مدى ثقله و عطالته الداخلية قبل أن يحاولوا تغييره
.
الحقيقة خطأ مصحح باستمرار , و ينبغي العودة
للذات ( نقدياً ) في كل مرة تقطع الذات
مساراً نقدياً معرفياً معيناً , و هنا يكمن الفرق بين البحث العلمي و الخطب
الأيديولوجية .
فالمراجعة و تصحيح الأخطاء هي التي تؤدي إلى تقدم
الفكر و البحث ؛ حيث تعبر عن مرونة عقلية
وذهنية ممتازة
1/ الأولوية النظرية دائماً للخطأ . 2/ لايمكن
فهم الواقع إلا من خلال الواقع نفسه .
فالمعرفة ليست حدسية بل مصنوعة صنعاً من خلال التجربة و الممارسة و استخدام القياس
العلمي . فهم الواقع ؛ بمعنى أن نعطيه حق الكلام , لا أن نسقط عليه أحلامنا و أمانينا , و عندئذِ نفهم الواقع
والضرورة الكامنة فيه ؛ لأن المغامرين و الدجالين لا يفهمونه ولا يعبأون به , فهم يخطئون دائماً في
فهمه وتتكسر رؤوسهم على صخرته الصلبة ,
فالواقع ( المشبع بالخطأ ) لا يعطي نفسه بسهوله , فهو يتحرك طبقاً لمنطقه الخاص
وقوانينه الداخلية , و ينبغي أن نتعامل معه على هذا الأساس لكيلا نصاب بخيبة أمل
كبيرة .
( غاستون باشلار )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق