الاثنين، 12 أغسطس 2019

عن الخطأ أحدثكم ... فلسفة .


عن الخطأ أحدثكم :

" الخطأ شيء أساسي , والروح البشرية هي مصدر ثري للأخطاء و أنّ للخطأ وظيفة إيجابية ؛ بمعنى أن الخطأ يلعب دورا إيجابيا في توليد المعرفة , في البداية كانت الأخطاء , في البداية كان الجهل , فالخطأ لا يعبر عن نقص أو انعدام المعرفة بقدر ما يمثل الأرضية التي بدأً منها تصبح المعرفة ممكنة , في البداية كانت الأخطاء , ثم يجيء نور المعرفة لكي يبدد غياهب الجهل والأخطاء , بهذا يصبح يمكن التحدث عن جدلية (الصح / الخطأ) , (الجهل/ العلم ) , ( النور/ الظلام ) , فكلما تراكم الجهل في فترة ما و عربد إلى درجة كبيرة ولم يعد  محتملاً ينبثق العلم كردة فعل ضد الجهل , و كقطيعة مع الجهل و الأخطاء المتراكمة . إنّ العلم ينبثق من رحم الجهل كما ينبثق النور من رحم الظلام  . إنّ العلم يتمثل في إحداث قطيعة مع المفاهيم التي لم تعد صالحة أو علاها الغبار , إنه يحدث القطيعة معها عن طريق المماحكة والجدال , والصراع الداخلي والجدل الديالكتيكي ( بمنظور ماركسي ) . إنّ الحقيقة لا تجيئنا بشكل سهل أو مجاني , الحقيقة تتطلب دفع الثمن , و أحياناً دفعه بثمن باهظ .





إن التغيير الحقيقي هو الذي يكون بواسطة أناس يعرفون كيف يتعاملون مع الواقع  , ضمن إمكانياته فلا يحاولون كسره أو القفز عليه أو استعجاله أو حتى إلغاؤه إنهم أؤلئك الذين يكتشفون قوانين الواقع و مدى ثقله و عطالته الداخلية قبل أن يحاولوا تغييره .



الحقيقة خطأ مصحح باستمرار , و ينبغي العودة للذات ( نقدياً ) في كل مرة تقطع الذات  مساراً نقدياً معرفياً معيناً , و هنا يكمن الفرق بين البحث العلمي و الخطب الأيديولوجية .



فالمراجعة و تصحيح الأخطاء هي التي تؤدي إلى تقدم الفكر و البحث ؛ حيث تعبر عن مرونة عقلية  وذهنية ممتازة



1/ الأولوية النظرية دائماً للخطأ . 2/ لايمكن فهم الواقع إلا من خلال الواقع نفسه .





فالمعرفة ليست حدسية بل مصنوعة صنعاً  من خلال التجربة و الممارسة و استخدام القياس العلمي . فهم الواقع ؛ بمعنى أن نعطيه حق الكلام , لا أن نسقط عليه  أحلامنا و أمانينا , و عندئذِ نفهم الواقع والضرورة الكامنة فيه ؛ لأن المغامرين و الدجالين لا يفهمونه  ولا يعبأون به , فهم يخطئون دائماً في فهمه  وتتكسر رؤوسهم على صخرته الصلبة , فالواقع ( المشبع بالخطأ ) لا يعطي نفسه بسهوله , فهو يتحرك طبقاً لمنطقه الخاص وقوانينه الداخلية , و ينبغي أن نتعامل معه على هذا الأساس لكيلا نصاب بخيبة أمل كبيرة .

( غاستون باشلار )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق