الجمعة، 15 مايو 2020

الجوع يكسر المثاليات .

مرحبا حديثي اليوم عن المثاليات والتفكير المثالي .

جاءني صديق   يشتكي قصة معلمه التربوي بالمدرسة  ,  معلمه بالمدرسة يطلب منه أن يكون الأول على الصف , مواظبا على الحضور ,  ويحصل على أعلى الدرجات بالصف ,  وملتزما الأدب وعدم الشغب بالصف الدراسي وأثناء
الدوام المدرسي , يحل الفروض المدرسية ( الواجبات ) , ولا يغيب عن المدرسة , ويحب المدرسين كلهم , ويحب الطاقم الإداري , ويحضر باكرا ولا يتأخر عن الاصطفاف المدرسي, ولا يدخن أثناء اليوم المدرسي ,  ولا يتسرب
أثناء اليوم المدرسي خارج المدرسة ,  ويحب المشاركة في النشاطات اللاصفية  مثل الإذاعة المدرسية وفريق كرة القدم في مباريات دوري المدرسة , يحب درس الرياضيات  , ويحب درس العلوم , ويحب درس اللغة العربية ,

قلت له ما القصة بنظرك وما الملاحظة على كلام المعلم ؟  مجرد يعظ أولاده التلاميذ بموعظة تربوية ليصبحو الأفضل ؟

يقول  / استحالة أن تجد طالبا هذه مواصفاته بالمدرسة , المدرس القدير لا يراعي الفروق الفردية , ولايفرق بين المجد والمهمل ,  ويطلب منهم جميعا الحصول على أعلى درجات الصف , وأن يكونو أوائل الصف ,  ويجلسو بمقدمة
الكراسي في الصف المدرسي ,  وأين تجد طالبا بالمدرسة هذه مواصفاته , بنظري هذه مثاليات و أين تجد الطالب الذي لايغيب ولا يتأخر عن الاصطفاف المدرسي صباحا ؟ وليس له شغب مدرسي ويحل الفروض الدراسية أولا بأول حسب
طلبات المدرس .


هذه هي المثاليات ,رسم المدرس لتلاميذه قصة مثالية رائعة  (مواصفات الطالب المثالي) والطالب المثالي فيه كل صفات الكمال الإنساني , والكمال الإنساني بنظره  كل المواصفات الحميدة الموجودة لدى طالب المدرسة ,  واين تجد
هذه المواصفات منطبقة على أي طالب بالمدرسة ؟ وكذلك الحال للطالبات ؟  هذه مثاليات وانظر للواقع المدرسي لتعرف الحقيقة .

والواقع المدرسي الطلبة يغيبون عن المدرسة وبعضهم لا يحضر للاصطفاف المدرسي صباحا , وبعضهم يتسرب من الدرس الثاني أو الثالث ويهرب , وبعضهم يدخن ,  وبعضهم يحضر الجوال وهو محظور قانونا ,  وكلها صفات آدمية
وشغب مدرسي لايتناسب مع واقع الطالب المثالي الذي رسمه المدرس لتلاميذه , ثم يغضب المدرس قائلا / نصائحنا بالمدرسة ذهبت سدى ؟ فلم ذهبت سدى ؟ والواقع أنه كلام جميل ممتاز وموعظة رائعة ممتازة فيها كل صفات الطالب
المثالي الذي يحرص عليه المدرس .

المثاليات عزيزي وهو كلامي فقط  بعد هذه القصة نظرية تربوية مستقاة من التربية , وتقول النظرية  أننا نصنع إنسانا كاملا من العيوب وخاليا من الأخطاء والمعايب البشرية , وله صفات الكمال والتنزيه , ثم الطلب من المواطنين والمواطنات
أن يصلو لمستوى المثال ولو لربعه فقط   , والواقع أنه لايستطيع ولا يقدر ومحاولاته تبوء بالفشل كثيرا .


نضرب مثالا آخرا مستقى من التقاليد العربية والإسلامية.


مجتمع الصحابة , الصحابة الكرام صحابة النبي الكريم العربي عليه الصلاة والسلام  , كيف يتم تدريس سيرتهم العطرة لدينا معشر المسلمين ؟  كل صفات الكمال الإنساني ,  يقوم الليل كله بالصلاة والعبادة  ولاينام  , ويصوم يوما ويفطر يوما  , وزهد  وورع نسأل الله أن نكون منهم ,  وحرص شديد على أداء الحقوق المالية وعدم ظلم الناس ,  ويحبون بعضهم حبا شديدا  بسبب صحبتهم ( يا للحظ ) للنبي عليه الصلاة والسلام ,  وحبهم لبعض أدى لخصلة جميلة متألقة أحبها كثيرا
وهي خصلة الإيثار والإيثار أن تحب للآخرين ما تحب لنفسك ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) والخصاصة بالتفسير شدة الحاجة والفقر.



هذا الكلام الجميل الرائع الممتاز يتم تدريسه لنا بالمساجد والمواعظ ورسائل الواتس  ولكنه للأسف غير عملي وهي المشكلة  , رسم الواعظ الكريم كل صفات الكمال الإنساني لأحد الصحابة والسلف الكرام , ثم يقول لكم الرسالة لماذا
لاتصوم يوما وتفطر يوما , ولماذا لا تقوم الليل كله أداء للصلاة والعبادة والحقيقة حالي كأحد المواطنين أقضي الليل نوما وأستيقظ للتبول وهو قيام الليل عندي  وهي صفات بشرية وأرجع للنوم,  والواقع أن القصة المثالية والكمال الإنساني للصحابة
يخالفه المنطق والواقع التاريخي , فأين ذهبت المحبة والإيثار عند دراسة معركة الجمل وصفين ؟ أليس الصحابة يحبون بعضهم البعض ومنهم رجال كرام وأثبات ثقات , فأين حلاوة الإيمان والأخوة الصادقة الكريمة ولم التقاتل لأجل دنيا
فانية والموعد الجنة والدنيا الفانية نسأل الله السلامة والعافية شؤون الحكم والسلطة , والحقيقة أن تصنيف الدنيا الفانية ووصفها بشؤون الحكم والسلطة هي المسألة الحقيقية من هذه الرسائل .



الواقع أن المثاليات بقصة الصحابة كمثال ثان  هي القصة التربوية لدينا وتستحق التعليق والملاحظات , كيف لك كمواطن بالسعودية خصوصا أو بالخليج العربي أو محب للسلف الصالح ( أهل السنة والجماعة والشيعة الاثني عشرية )
أن تكون بمواصفات ربع آل البيت غفر الله لهم,  حقيقة أن الصحابة لديهم صفات الكمال الإنساني والمواصفات اللازمة لكل مديح كبير , فكيف نشأت بنظرك ظاهرة سب الصحابة فقط ؟ لماذا سبهم وكل هذه القصص المثالية لدينا تربويا
لمدحهم ومدحهم فقط فما هو التفسير بنظرك لهذه الظاهرة ؟  ألم يتقاتلو لاجل الدنيا الفانية ( بمعركة الجمل وصفين ؟ )  , ألم يقتل المحاربون (الخوارج) الصحابي علي بن أبي طالب الذي يجمع على محبته السنة والشيعة؟ألم تهدم الكعبة بوقت السلف الصالح بالمنجنيق ( آلة حربية كالمدفع تماما هدمت الكعبة بسببها ؟  ) 
ألم تستباح المدينة المنورة وقتل الصحابة حفظة كتاب الله من السلف الصالح ؟  كيف لك أن تفسر هذه القضايا وأنت تحب السلف الصالح وتقدرهم وتبجلهم تمام التبجيل ؟  مثاليات ياعزيزي فقط وهو الإطار النظري لدينا لتفسير المشكلة .
هذه أفعال السلف الصالح الموثقة بالتاريخ العربي والإسلامي , فكيف نشأت ظاهرة محبة السلف الصالح واعتبارهم مثالا وقدوة وهم أهل لذلك بغالبهم والغالبية هي الاعتبار .


المثاليات بناء تمثال من صفات الكمال الإنساني والكمال الإنساني لاعيوب ولا نقص ولا أخطاء ولا مشاكل بل  صنم مقدس لاروح فيه أصلا  , ثم الطلب من عامة الناس تربويا الصعود ومحاولة تقليد هذا المثال والوصول ولو لربع صفاته الحسنة.

وهو مستحيل من الناحية العملية لكثرة العيوب لدينا وكثرة صفات البشرية فينا ,

نشير لمثال آخر يخص العنوان و هو المثاليات ,  يظن زملاء المكتب أن التعاون المثالي وأداء عمل جماعي هو السبيل الأوحد لحل كل مشاكل المكتب والعمل , ويردد الزميل المحبط الغاضب العبارة التالية ( المفترض أنهم كلهم بالمكتب يتعاونون معي لأداء عمل جاد مثمر ؟ )

هنا العبارة الفلسفية تحديدا  ( المفترض أن الناس تفعل هذه القصة , والمفترض أن الجميع يتعاون لما فيه الصالح العام ؟) فما سبب تجاهل الزميل بالمكتب وعدم العمل معه؟

والعبارة المفترض أن الناس تعمل وتسير بهذه الطريقة رسم فلسفي واضح لمثال تصورناه كبيرا  ونطلب من الناس السير على منهجه وطريقته , المفترض أن النصيحة الكريمة يتم قبولها , والمفترض أن نصائح المدرس بالمدرسة يتم السير عليها , والمفترض أن رسائل الوعظ بالمسجد والمدرسة تؤتي ثمرتها , ولكن الواقع خلاف ذلك تماما؟  فما المشكلة مع قصة ( المفترض عمل الناس بهذه الطريقة )

الواقع الفلسفي , المفترض أن الناس تبني المثال ليسير عليه الجميع , ولكن الواقع العملي الموضوعي خلاف ذلك تماما .

والعبارة التالية بالتعبير الشعبي ( المفروض أن الناس تلتزم بالنظام والقوانين ) عبارة صالحة أثني عليها ولكنها لاتفسر ظاهرة الفساد بالمجتمع والقفز على القوانين ؟ فالمشكلة بالافتراض ؟

وتكرار العبارة  ( المفروض أو المفترض أن الناس تعمل بطريقة محددة , طريقة مثالية بالتفكير وتشير  للمثال الأعلى والصنم الذي لاحياة فيه والطلب من الناس الوصول له).

وانتبه للعبارة بحديثك اليومي ولقائك بأصدقاءك , والحقيقة أن من ينتبه لهذه القصة ( المفروض أن الناس تعمل بالطريقة الصحيحة ) هم محبي التأملات والفلسفة فقط .

ونشير لمثال آخر  وهو الصنم الذي صنعه أهل مكة  قبل الإسلام وبنوه من تمر  , والتمر هو طعام العرب المفضل ولايزال ,  ومن ثم بوقت الجوع والحاجة والاضطرار  تناولوه وكسرو الصنم والجوع دافعهم لذلك ولم يحترمو صنمهم الذي بنوه وقدسوه , وهل يختلف العرب اليوم عن العرب الأجداد ؟ 

الحقيقة أن الاضطرار  وكسر المثاليات هو السائد لدينا , لا أحد يحب المثاليات ,  والاضطرار هو الشاهد لدينا والسير حسب الطبيعة الآدمية لدينا .
وسبب الاضطرار لكسر المثاليات  هو أن الناس لاتحب المثال وتغضب لعدم الوصول ولو لربعه ويشير صناعة المثال ( الصنم الذي لاحياة فيه ) لطريقة تفكير فلسفية تربوية والقصة لدي من النقد للفكر اليوناني القديم.

عدد من الأمثلة كافية لدي ولدى زميلي وأحببت تدوين هذه الخاطرة,وتحية لك وأغلقت القلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق